
لماذا تفتعل بعض النساء النشوة الجنسية؟

المقدمة: بين الحقيقة والأداء الاجتماعي
تتشكل السلوكيات الجنسية ضمن إطار معقد من التوقعات الاجتماعية، والمعايير الثقافية، والديناميكيات الشخصية بين الشركاء. واحدة من أكثر الظواهر إثارة للجدل والتحليل في هذا السياق هي ما يعرف بـ "النشوة الكاذبة" أو "افتعال هزة الجماع" من قبل النساء. ليست هذه الظاهرة مجرد كذبة عابرة في الفراش، بل هي نافذة على قضايا أعمق تتعلق بالتواصل، والرضا، والسلطة، والصحة النفسية داخل العلاقات الحميمة. هذا المقال يتعمق في تحليل هذه الظاهرة، مستندًا إلى رؤى من الدراسات العلمية، ساعيًا لفهم الأسباب الجذرية والتداعيات المترتبة عليها.
الفصل الأول: دوافع افتعال النشوة الجنسية - ما وراء الكذبة البسيطة
تشير الأبحاث إلى أن دوافع النساء لافتعال النشوة الجنسية متعددة ومتشعبة، ويمكن إجمالها في المحاور الرئيسية التالية:
تسريع إنهاء اللقاء الجنسي غير المرغوب فيه: هذا يعد أحد الدوافع الأساسية والأكثر إلحاحًا. عندما تجد المرأة نفسها في موقف جنسي غير ممتع، أو تشعر بعدم الرغبة فيه من الأساس، أو يكون الأداء غير مُرضٍ، قد ترى أن أسرع طريقة للخروج من هذا الموقف المحرج أو غير المريح هي محاكاة وصولها إلى النشوة، مما يعطي إشارة للشريك بأن اللقاء قد وصل إلى نهايته "الطبيعية" والمتوقعة. إنه آلية للتكيف مع موقف صعب.
حماية مشاعر الشريك وتجنب إيذاء نفسيته: يلعب الخوف من إحباط الشريك أو جرح كبريائه دورًا محوريًا. قد تقلق المرأة من أن اعترافها بعدم وصولها إلى النشوة سوف يُفسر على أنه فشل من جانب الشريك، أو نقص في رجولته، مما قد يؤدي إلى توتر في العلاقة أو مشاكل في تقدير الذات لديه. وبالتالي، تفضل "الكذبة البيضاء" التي تحافظ على سلام العلاقة ظاهريًا.
الامتثال للضغوط والتوقعات الاجتماعية: تُصور الوسائل الإعلامية والقصص الشعبية النشوة الجنسية الأنثوية على أنها سهلة المنال، وحتمية الحدوث في أي لقاء جنسي "ناجح". هذا يخلق توقعًا غير واقعي بأن على المرأة أن تصل إلى الذروة في كل مرة. الافتعال هنا يصبح وسيلة لتلبية هذا التوقع الاجتماعي والظهور "طبيعية" وفقًا لهذه المعايير المشوهة.
تجنب المواجهة والصدام: في بعض ديناميكيات العلاقات، قد تكون المرأة غير قادرة على التواصل بصراحة حول رغباتها وما يرضيها جنسيًا بسبب الخوف من رد فعل عنيف، أو السخرية، أو ببساطة بسبب عدم وجود قنوات اتصال مفتوحة وآمنة. الافتعال هو مسار المقاومة الأقل لتجنب النقاش المحتمل والمزعج.
الفصل الثاني: قراءة في دراسة علمية - استكشاف التجارب الشخصية
ألقت دراسة نوعية أجرتها الباحثة إيميلي توماس من جامعة رايرسون ضوءًا ساطعًا على هذه التجارب الشخصية. شملت الدراسة إجراء مقابلات معمقة مع 15 امرأة تتراوح أعمارهن بين 19 و28 عامًا، كن نشطات جنسيًا لمدة عام على الأقل.
أبرز النتائج والاستنتاجات المقلقة التي خلصت إليها الدراسة:
التعبير غير المباشر عن التجارب السلبية: على الرغم من وصف المشاركات لأحداث ومواقف جنسية يمكن وصفها بالإكراه أو بعدم الرغبة، إلا أنهن تجنبن تمامًا استخدام مصطلحات صريحة مثل "الاغتصاب" أو "الإكراه". بدلاً من ذلك، استخدمن كلمات عامة ومُخَفَّفة مثل "سيء"، "غير مرغوب فيه"، أو "غير ممتع" لوصف تلك التجارب المؤلمة. هذا يشير إلى آلية نفسية للتكيف أو إنكار حدة الموقف.
النشوة الكاذبة كأداة للهروب: أكدت المقابلات أن الافتعال كان يُستخدم بشكل استراتيجي كـ "مخرج" أو "حل" لإنهاء اللقاءات غير المرغوب فيها عندما شعرت النساء بأن الخيارات الأخرى المتاحة أمامهن محدودة أو غير موجودة. لقد كانت آلية بقاء في موقف غير متكافئ.
ازدواجية المشاعر: بينما وصفت قلّة من المشاركات تجربة الافتعال على أنها قد تكون "ممتعة" أو تساعد في تصعيد شهوتهن الشخصية، فإن الغالبية العظمى ربطتها بشكل واضح بالجنس غير المرغوب فيه وغير المُرضي. عبرت الباحثة عن "صدمتها" من مدى شيوع وطبيعة هذه الروابط في قصص المشاركات.
الفصل الثالث: الآثار النفسية والعلائقية المترتبة على الافتعال المستمر
استمرار هذه السلوكيات على المدى الطويل لا يخلو من عواقب وخيمة:
تآكل الذات والصدق الداخلي: كل مرة تفتعل فيها المرأة النشوة، فإنها تبعد نفسها أكثر عن تجربتها الحقيقية واحتياجاتها الحقيقية. هذا يمكن أن يؤدي إلى شعور بالانفصال عن الجسد (تبدد الجسد)، وفقدان المتعة الحقيقية، وتدني تقدير الذات لكونها تشارك في خداع مستمر.
حرمان كل من الشريك والعلاقة من فرصة النمو: يحرم الافتعال الشريك من فرصة حقيقية لفهم ما يرضي زوجته وما لا يرضيها، وبالتالي يحرمه من فرصة لتحسين أدائه وإسعادها. كما أنه يبني العلاقة على أساس من الوهم وعدم الصدق، مما يقوض الثقة والحميمية العاطفية على المدى البعيد.
تعزيز دورة الجنس غير المرضي: عندما يصدق الشريك أن الافتعال حقيقي، سيعتمد على نفس السلوكيات والأداء الذي لم يكن مُرضيًا للمرأة في الأساس، مما يعزز دورة من الجنس غير المرضي والإحباط المستمر.
الفصل الرابع: نحو علاقة أكثر صحة وصدقًا - بدائل الافتعال
الحل لا يكمن في إلقاء اللوم، بل في بناء أسس أكثر صحة للعلاقة الحميمة:
تعزيز التواصل الصريح والآمن: خلق مساحة آمنة خارج غرفة النوم للحديث عن الرغبات، والتوقعات، وما هو ممتع وما ليس ممتعًا. يجب أن يكون الحوار قائمًا على الاحترام المتبادل والرغبة في الإسعاد وليس النقد.
فك ارتباط فكرة "الأداء الناجح" بالنشوة: يجب أن يكون الهدف الأساسي من العلاقة الحميمة هو التقارب والمتعة المتبادلة بجميع أشكالها، وليس تحقيق النشوة كهدف إلزامي في كل مرة. هذا يزيل ضغط الأداء عن كلا الطرفين.
التثقيف الجنسي: البحث المشترك عن مصادر موثوقة للمعرفة حول الاستجابة الجنسية الأنثوية، والتي تكون أكثر تعقيدًا من مجرد الوصول إلى الذروة، وتشمل الإثارة، والهضبة، وغيرها من المراحل.
التركيز على الحميمية غير الجنسية: بناء روابط عاطفية قوية من خلال العناق، والتقابل، والحديث، والأنشطة المشتركة، مما يخلق أساسًا من الثقة يسهل عليهما الحديث عن الأمور الحميمة.
خاتمة: من ثقافة الأداء إلى ثقافة الصدق
ظاهرة افتعال النشوة الجنسية لدى النساء هي عرض وليست مرضًا. هي عرض لثقافة تضع توقعات غير واقعية، ولعلاقات تفتقر أحيانًا إلى التواصل الآمن، ولصعوبات في التعبير عن الرغبة والرفض. معالجة هذه الظاهرة تتطلب تحولًا جماعيًا وفرديًا من "ثقافة الأداء" حيث يجب على الجميع التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، إلى "ثقافة الصدق" حيث يكون هناك مساحة للضعف، والحوار، والبحث الحقيقي عن المتعة المشتركة التي ترتكز على الرغبة الحقيقية والرضا الحقيقي للطرفين.





























تعليقات :0